الجمعة، 9 سبتمبر 2016

على مذهب الأعرابي

والنتيجة هي كل ما نراه حولنا. 
صارت الامور سيئة لهذا الحد لان تكون الصلاة حجه على عدم الصلاة. ماذا فعلت صلاتنا بنا؟ بل ماذا فعلنا نحن بها؟ 

عبر تاريخ طويل مررنا بهزائم وانكسارات وتركت اثارها فينا جعلتنا نقنع بأقل القليل بل لا نطمح الا بأقل القليل. وهكذا حتى فهمنا كل شيء من زاويته الأضيق والادنى ولم نعد نتوقع من أنفسنا الا ما هو متدن ورديء

فقدنا احترامنا لأنفسنا وتدني تقويمنا لها ولإمكانياتنا فلم نعد نتوقع من أنفسنا اي شيء ايجابي. لم نعد نرضى بأوساط الحلول بل صرنا نرضى بالفتات ونطالب من اجل الفتات في كل شيء 


حتى فيما نتوقعه من الصلاة 

(أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: خمس صلوات إلا أن تطوع شيئا فقال: أخبرني ما فرض الله على من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال: أخبرني بما فرض الله على من الزكاة؟ قال: فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله على شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق)). رواه البخاري

هذا الحديث يروي هذه الواقعة، وسؤال الاعرابي وجواب الرسول صار يحتل موقعا مركزيا في فكرتنا ليس عن الصلاة لكن عن العبادات عموما فحسب ولكن عن أنفسنا ورؤيتنا للعالم ودورنا فيه. كانت واقعه واحده ولكنها اخذت حيزا أكبر مما يجب في فهمنا ورؤيتنا. يقصد الاعرابي بأن لا ازيد عن هذا ولا أنقص. 

يجب ان نتفحص الواقعة قبل ان نجعل منها رؤية ثابته للعبادات ولأنفسنا ولعلاقتنا بالعالم كله. 

فما هو موقع الاعرابي من الاعراب:  
ان الاعرابي له وضع معين ربما لا يناسب التعميم الذي تعرض له جواب الرسول. اي ان عبارته تخص الرجل ولم يصعد على المنبر ليقول للملأ. 

وعندما نقلوا لنا الحديث نقلوا ايضاً خص وصيه الرجل. فهو اعرابيا. كان الاعراب اعداء اساسين للدعوة الإسلام ليس لأنها دعوه جديده ولكن لأن جوهر الاسلام يتنافى ويتصادم بشكل مباشر مع حياه البداوة والاعراب. حياه التنقل من الصحراء دون وجود تنظيم اجتماعي واسع غير رابطه العشيرة التي جاء الاسلام ليفك اواصرها ويعيد صهرها كان الاسلام جوهر التمدن وتكريس لقيم المدينة بكل ما تعني من استقرار وبناء وازدهار. وكانت البداوة عيشاً على الهامش ضد اي قيمه مدنيه. 

فكان العيش الهامش يأخذ شكل قطع الطريق على القوافل التجارية والغير تجاريه وكان يرفض الانصياع للقانون. لذلك كانت المعايير التي ستوجه للأعراب على هذا النحو، هي مختلفة عن غيرهم من سكان المدينة او مكة. فالمعيار الاساسي مع الاعراب هو (كف اذاهم) تحييدهم عن كونهم عقبه بوجه المسيرة (الاعراب اشد كفرا ونفاقا) التوبة.(قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) الحجرات.


فكان يفاوض على انه لن يزيد ولن ينقص فهذا بحد ذاته انجاز مهم لو وضعناه في سياقه الاجتماعي. انه اعرابي ينتمي لتلك الفئة هي اشد كفرا ونفاقا.
لنتذكر هنا كيف وصف الحديث الرجل (اعرابي) لقد بقي مجهولاً ربما كان صدق ربما لا.. لم نسمع عنه شيئاً بعدها ولو كان قد فعل شيئاً لكان ذلك (عُلم) عند الصحابة وذكروا اسمه. لكنه لم يحدث. ولن نتوقع من شخص قال لن يزيد ولن ينقص ان يترك اثرا ما لاحقا.

من سخريات الامور ان اخترنا هذه النماذج تحديداً وضربنا السياق بعرض الحائط وجعلنا من هذا الاعرابي المجهول قدوة لنا! لقد أصبحنا كالأعرابي لم نفعل شيئاً يدخلنا التاريخ بقينا على الهامش.

عندما تعيش طول عمرك تحت سقف واطئ لدرجه أنك تضطر لحني ظهرك حتى تسير فإن هذا السقف الواطئ سيصير مع الوقت هو حدود طولك    


المصدر: العمري, ا خ. (٢٠١٣). المهمه غير المستحيله. السعوديه: مركز التفكير الحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الوضوح والألتواء

بين الوضوح والالتواء  بين الصراحة و الكذبة البيضاء  بين الحقيقة و مزجها لتظهر بنفس الحقيقة ولكن بصوره اخرى.  اساليب غير واضحة ...